🟢 من قصص العرش: ما بُني على باطل... (مسرحية)

 من قصص العرش: ما بُني على باطل... 

.




.

(تحت شجرة وارفة ثمارها نهود مكتنزة تقطر حليبا وأرداف عظيمة تقطر خمرا، كان محمّد جالسا. كان يبدو مهموما جدّا. وكان جبريل يتمشّى وهو يسبّح.)
جبريل: ما الأمر؟
محمد: وصلتني أخبار من الأرض تقول أنّ أمّتي أصبح كلّ العالم يغتصبها في كلّ وقت وحين .. وأنّ سمعتي وسمعة الإسلام أصبحتا في الحضيض.
جبريل: وصلتك الأخبار الٱن؟ غريب!
محمد: وما الغريب في الأمر؟
جبريل: غريب أن تعلم بذلك اليوم. الأمر معروف منذ زمن بعيد.
محمد: أنت تعرف أنّي أقضي كلّ وقتي في النّكاح، من حور العين إلى الغلمان، ولا وقت لديّ للسّؤال عن أخبار أمّتي.
جبريل: أعرف ذلك جيّدا. وأعرف أنّه لو لم أكن ملاكا قويّا وقادرا على الطيران لكُنت نكحتني... (يضحك) وقد تنكح الله نفسه في يوم من الأيّام وتجعله يحبل وينجب أولادا.
محمد: كفاك هراء. كيف أنكح من لا تعرف وجهه من قفاه بسبب الستمائة جناح؟ كلّك ريش يا صديقي، وشكلك لا يستهويني.
جبريل: سعيد لسماع ذلك، لكنني لا أثق كثيرا في صدق كلامك.
محمد: صدّقني. ألست أنا الصّادق الأمين؟
جبريل: (رافعا أحد حاجبيه بإستغراب وشكّ) الصّادق الأمين؟ تلك أكذوبة إختلقتها أنت وأصحابك لكي يتبعك النّاس. ألا تتذكّر؟... لا تقل لي أنّك صدّقتها!
محمد: أنا فعلا الصّادق الأمين...
جبريل: (مقهقها) وأنا كليوباترا... حسنا ... أنت الصّادق الأمين. لا تغضب.
محمد: كليو... ماذا؟
جبريل: ثقافتك صفر... لكن... لا تهتمّ للأمر. من أتاك بالأخبار عن أمّتك؟
محمد: لا أحد. سمعت خرطائيل وزعلائيل يتحدّثان عن المسلمين وما يعانونه على الأرض، فسألتهما، فأخبراني بأنّ العالم كلّه أصبح يكرههم ويكره دينهم.
جبريل: وهل كان العالم يحبّهم ويحبّ دينهم عندما كنت معهم؟
محمد: لا. لكن لا أحد كان يجرؤ على قول ذلك.
جبريل: لأنّك كنت تقتل كلّ من يعارضك أو يتّهمك أو يشكّك في صدقك أو حتّى لا يريد تصديقك.
محمد: كلّ الناس كانوا يهابون سيفي ويخافون بطشي. وكان الإسلام عزيزا ومحترما.
جبريل: زمن النّضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ولّى وإنتهى. العالم اليوم ليس كما كنت تعرفه.
محمد: يا حسرة على العباد...
جبريل: لقد سبقك ربك في قولها... بل قالها قبل أن يخلق العباد، حين كان يدمن الأفيون.
محمد: الأفيون؟
جبريل: هذا نبات يستهلكه الناس بغية الغياب عن الوعي. ستجد منه الكثير حول سدرة المنتهى. لكن، دعنا من هذا كلّه. أنت الٱن هنا، في الجنّة، وتقضي وقتك في النّكاح، فما الذي يحزنك إن كان أتباعك يَنكحون أو يُنكحون؟
محمد: هذا رهان بيني وبين موسى. يجب أن يكون اتباعي دائما الأفضل في الدّنيا والأكثر في الجنّة في الٱخرة.
جبريل: رهان؟ غريب! وهل لهذا كنت تقتل أتباع موسى؟
محمد: لا. الرّهان ليس بهذا القدم. هؤلاء لم يصدّقوا أنّي نبيّ، رغم أنّي حدّثنهم طويلا عن موسى وعن قصص التوراة.
جبريل: وهل كنت تعتقد أنّهم لن يعرفوا أنّك سرقو كلّ شيء من توراتهم ومن خرافات أحبارهم وعجائزهم؟
محمّد: هذه ليست سرقة، بل دليل على أنّي خير من يجب إتّباعه بعد موسى.
جبريل: (ساخرا) منطق غريب! يعني لو ألّف أحدهم اليوم سورا جديدة وذكر فيها القصص التي ذكرتها أنت في القرٱن، يجب على أتباعك أن يتبعوه، بل يجب عليهم أن يعلموا أنّه خير من يجب إتّباعه بعد محمّد... أليس كذلك؟
محمد: وكيف يستطيع أحدهم أن يكتب شيئا مثل القرٱن؟ هذا مستحيل.
جبريل: أتذكر مسلمة بن حبيب؟
محمد: ذلك المدّعي؟
جبريل: مدّعي؟ دائما ترمي التّهم على الٱخرين لتبرئة نفسك؟ لكن لا يهمّ! ما كان يقوله مسلمة بن حبيب كان أحسن من كلامك وأبلغ وأقوى تأثيرا وجمع به أكثر بكثير ممّا جمعت أنت من أتباع. أتذكر كم كان عدد مقاتليه؟
محمد: كل شيء بإذن الله.
جبريل: يعني لا تأثير لكلامك، إذا كان كلّ شيء بإذن الله. وبعد موتك، كتب الكثير من النّاس أحسن من قرٱنك وحتّى اليوم، هم لم يكفّوا عن الكتابة.
محمد: (رافعا قبضته وكأنّه يحمل سيفا) كيف يجرؤون على فعل ذلك؟
جبريل: قلت لك انّ زمن النّضر وعقبة قد ولّى وانتهى. فدعك من العنتريّات. في الماضي، كان قتلك للنٌضر بن الحارث كفيلا بجعل النّاس يبتلعون ألسنتهم خوفا من سيفك ومن سيوف أتباعك، أمّا اليوم، فقد تغيّرت الأمور كثيرا. بل إذا قتلت أحدهم لأنّه شتمك من المؤكّد أن يشتمك الٱلاف تضامنا معه وكرها لك، وتعبيرا عن حقهم في شتمك.
محمد: الهذا الحدّ وصل إنحطاط الإنسان؟
جبريل: (مقهقها) يعجبني فيك الإنفصال التّام بين لسانك وعقلك. هذا إذا كان الثّاني موجودا أصلا!
محمد: ماذا تقصد؟
جبريل: لا شيء. لكن، لتعلم أنّ ما وصلت إليه أمّتك اليوم من مهانة وفشل وضعف هو نتيجة ما علّمته أنت لأتباعك. فإذا كان يجب أن يلوموا أحدا، فهو أنت.
محمد: وما العمل؟
جبريل: أتركهم وشأنهم. سينكحهم العالم فإمّا أن يعلّم أتباعك الأدب أو سيكون مصيرهم الشّهادة وسيأتون للنّكاح معك في الجنّة. فلا دخل لك بهم.
محمد: إذن، سأذهب لأجرّب الأفيون الذي حدّثتني عنه. قلت لي أنّه حول سدرة المنتهى؟ أليس كذلك؟
جبريل: نعم. إستمتع جيّدا. وأنا سأذهب لعيسى بن مريم، فقد أوصاني البارحة أن أشتري له همبورغر وزجاجة ويسكي.
محمد: ما هذا الهمب...؟
جبريل: الهمبورغر؟ إنّه أكل.
محمد: عيسى يأكل أشياء غريبة.
جبريل: إلى اللقاء!
(ينشر جبريل أجنحته الستّمائة وينطلق طائرا بسرعة، مخلّفا سحابة من الغبار).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق