دوّامة الرّهان
كان صالح رجلاً بسيطًا يعمل في متجر صغير لبيع الأدوات الكهربائية في أحد الأحياء الشعبية. كان معروفًا بين أصدقائه بحبه الشديد لكرة القدم، لكنه لم يكن مجرد مشجع عادي، بل كان مهووسًا بمتابعة المباريات وتحليل الفرق، حتى بات يتفاخر بقدرته على توقع النتائج بدقة.
في البداية، كانت رهاناته صغيرة، مجرد مزاح بين الأصدقاء أثناء المباريات، لكنه سرعان ما تعرف على مواقع الرهان الرياضي عبر الإنترنت، حيث أُغري بالأرباح السريعة. في إحدى المرات، راهن بمبلغ بسيط وفاز، فبدأت فكرة الربح السريع تسيطر على عقله. شيئًا فشيئًا، بدأ يزيد من رهاناته، مدفوعًا بوهم أنه يستطيع تحويل شغفه بكرة القدم إلى مصدر دخل ثابت.
كانت زوجته مريم امرأة صبورة، تراقب تغيراته بصمت، لكنه لم يكن يهتم لتحذيراتها. مع مرور الأيام، بدأ يغيب عن عمله بحجة متابعة المباريات، حتى طرده صاحب المتجر بعد أن تكرر غيابه. بدلًا من أن يشعر بالندم، وجد في البطالة فرصة للتركيز أكثر على رهاناته، مقتنعًا بأنها ستكون وسيلته للخروج من الفقر.
لكن الحظ لم يكن دائمًا في صفه. بعد سلسلة من الخسائر المتتالية، بدأ يستدين من أصدقائه، ثم من المعارف، حتى لجأ إلى المرابين، الذين لم يترددوا في منحه المال بفوائد فاحشة. أصبح المنزل مكانًا للجدال والصراخ، وبدأت مريم تفقد صبرها.
ذات مساء، بعدما خسر مبلغًا كبيرًا كان قد اقترضه من أحد المرابين، عاد إلى المنزل متوترًا، ليجد زوجته تنتظره بوجه شاحب. قالت بحزم:
— "هذه ليست حياة، صالح! أنت تضيّعنا جميعًا بسبب أوهامك!"
حاول تبرير أفعاله، متوسلًا إليها أن تمنحه فرصة أخيرة، لكنه لم يعد يملك شيئًا ليقدمه. كان قد باع أثاث المنزل وساعته وهاتفه، وحتى ذهب زوجته دون علمها. حين اكتشفت ذلك، لم تقل شيئًا، فقط دخلت الغرفة، جمعت ملابسها وملابس أطفالهما، وخرجت دون أن تنظر خلفها.
في اليوم التالي، تلقى صالح رسالة قصيرة: "قدمت طلب الطلاق."
شعر وكأن الدنيا تدور به. كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ لكنه لم يكن يملك وقتًا للتفكير. كان الدائنون يطرقون بابه بعنف، يطالبونه بالسداد، وحين لم يجدوا ما يأخذونه، اعتدوا عليه بالضرب، وتركوه مرميًا في زاوية الحي.
مع مرور الأيام، بدأ صالح يفقد عقله. أصبح يهيم في الشوارع بملابس رثة، يتحدث مع نفسه عن المباريات والرهانات وكأنها لا تزال تجري في رأسه. كان يصرخ بأسماء اللاعبين، يحلل الخطط الوهمية، ويجادل المارة كما لو أنهم محللون رياضيون.
صار مشهدًا مألوفًا في الحي، الرجل الذي فقد كل شيء بسبب الرهان، يمشي بلا هدف، ينظر إلى السماء كأنه يرى شاشة عملاقة تعرض مباراة لم تنتهِ بعد.
وفي إحدى الليالي الباردة، عثر عليه بعض المارة جالسًا على الرصيف، يتمتم بصوت خافت:
— "لو أن المدرب لم يغير التشكيلة… لو أنني لم أراهن على تلك المباراة..."
كان وجهه شاحبًا وعيناه زائغتين، وكأن عقله ظل عالقًا في تلك اللحظة التي خسر فيها كل شيء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق