ذاكرة الرمال (قصة قصيرة)
الفصل الأول: الحادث
كانت الشمس تغيب ببطء خلف الأفق، ملقيةً ظلالًا طويلة على الطريق السريع المتعرج بين الكثبان الرملية. كان "كريم" يقود سيارته عائدًا إلى المنزل بعد يوم عمل مرهق، تتراقص أنوار السيارات من حوله كنجوم بعيدة. فكر في زوجته "ليلى" وابنته الصغيرة "سارة"، وكيف أنه تأخر في العودة اليوم بسبب اجتماع مفاجئ.
ضغط على زر الراديو، وامتلأت السيارة بألحان هادئة تبعث على الاسترخاء. تنهد بعمق محاولًا طرد إرهاقه، لكن في اللحظة التالية، رأى أضواء سيارة مسرعة تقترب منه بشكل جنوني. اتسعت عيناه في رعب، حاول الانحراف بسرعة، لكن الوقت كان قد فات—
ارتطام عنيف.
ثم ظلام دامس، وصمت يشبه الفراغ.
الفصل الثاني: فقدان الذاكرة
استفاق كريم وسط بياضٍ مشوش، أصوات طنين الأجهزة الطبية تخترق سكون الغرفة. حاول أن ينهض، لكن رأسه كان ينبض بألم يشبه الطرق المتواصل.
دخلت امرأة إلى الغرفة، عيناها غارقتان في القلق، لكن ملامحها كانت دافئة. ابتسمت بحنان، واقتربت منه تمسك بيده.
"حبيبي، أنت بخير؟"
نظر إليها باستغراب. لم يكن يعرفها. لم يكن يعرف حتى نفسه.
"من أنتِ؟"
اتسعت عيناها بصدمة، وبدأت دموعها تنساب بصمت. دخل الطبيب، وأوضح لكريم أنه فقد ذاكرته نتيجة الصدمة العنيفة. لم يستطع تذكر أي شيء—لا اسمه، ولا حياته، ولا حتى عائلته.
كان كأنه ولد من جديد في جسد شخص غريب عنه.
الفصل الثالث: عالم بلا ذكريات
عاد كريم إلى منزله بصحبة ليلى، لكنها لم تكن سوى امرأة غريبة في نظره. نظرت إليه سارة، ابنته الصغيرة، بعينين تحملان خوفًا وترددًا. لم تفهم كيف تحوَّل والدها فجأة إلى شخص لا يتذكرها.
حاولت ليلى مساعدته، عرضت عليه صورًا وفيديوهات قديمة، حكت له قصصًا عن مواقف مرحة جمعتهم. لكنه كان يشعر بالغربة داخل حياته. كل شيء بدا له وكأنه ينتمي لشخص آخر، شخص لم يعد هو.
كان يستيقظ كل ليلة بقلق، يتأمل وجهه في المرآة، يبحث عن ملامح تذكّره بشيء مألوف، لكنه لم يجد سوى الفراغ.
"من أنا حقًا؟" كان السؤال الذي يطارده بلا إجابة.
الفصل الرابع: البحث عن الحقيقة
بدأ كريم يحاول إعادة بناء ماضيه بنفسه. بحث في رسائله القديمة، تصفح هاتفه، قابل أصدقاءً لا يتذكرهم، لكن شيئًا ما كان يبدو ناقصًا.
كان يشعر أن ليلى تخفي عنه شيئًا. لماذا كانت تتجنب بعض الأسئلة؟ لماذا لم يكن يبدو سعيدًا في بعض الصور القديمة؟ هل كان يخفي شيئًا حتى قبل أن يفقد ذاكرته؟
ثم وجد عنوانًا في إحدى رسائله القديمة—شقة صغيرة في حي بعيد. كان الأمر غريبًا، فلماذا لم تخبره ليلى عن هذا المكان؟
قرر الذهاب إلى هناك بنفسه.
الفصل الخامس: الحقيقة المرة
عندما وصل إلى العنوان، وجد باب الشقة نصف مفتوح. دخل بحذر، وقلبه يخفق بسرعة. كانت الغرفة مليئة بصور له... لكن مع امرأة أخرى.
كانت هناك أوراق ورسائل مبعثرة، كلها تحمل اسمه وتوقيعه. ثم رأى صورةً له وهو يمسك بيد تلك المرأة، نظرة الحب في عينيه لا يمكن إنكارها.
لكن من هي؟
بدأت ذكريات مبهمة تتدفق إليه كأمواج البحر. صوت ضحكتها، عطرها، همساتها. تراجع إلى الوراء، شعر بالاختناق. كان يعيش حياة مزدوجة، حياة لم يخبر بها أحدًا.
فقدانه للذاكرة لم يكن مجرد حادث… كان فرصة للهروب من ماضيه.
الفصل السادس: المواجهة
عاد كريم إلى المنزل وهو يشعر أن روحه ممزقة بين حقيقتين. جلس أمام ليلى، ونظر إليها طويلًا قبل أن يقول بصوت متردد:
"أحتاج أن أخبرك بشيء."
سرد لها كل ما اكتشفه. لم تبكِ هذه المرة، لم تصرخ. فقط نظرت إليه بهدوء، وكأنها كانت تتوقع ذلك.
قالت بهدوء مخيف: "إذن، هل كنت ستعود إلينا لو لم تفقد ذاكرتك؟"
لم يعرف كيف يجيب. في تلك اللحظة، أدرك أنه ربما لم يكن الشخص الذي تستحقه ليلى.
الفصل السابع: الاختفاء
في اليوم التالي، اختفى كريم. لم يأخذ شيئًا، لم يترك رسالة.
بحثت الشرطة عنه، فتشوا كل مكان يمكن أن يكون قد لجأ إليه، لكن بلا أثر.
كأن الأرض ابتلعته.
الفصل الثامن: النهاية على الشاطئ
بعد أسبوع، وُجدت جثته على شاطئ البحر. كانت الأمواج تحيط به برفق، وكأنها تحتضنه للمرة الأخيرة.
لكن السؤال الذي بقي بلا إجابة:
هل قفز بنفسه إلى البحر، هربًا من ماضيه؟
أم أن هناك من أراد أن يمحو وجوده للأبد؟
كان البحر وحده يعرف الحقيقة.
النهاية… أم البداية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق