🔴 تطور مقاييس جمال المرأة في تاريخ العرب: من القبيلة إلى العولمة (مقال)

 تطور مقاييس جمال المرأة في تاريخ العرب: من القبيلة إلى العولمة



المقدمة

تعتبر مقاييس الجمال مرآة تعكس قيم المجتمعات وتاريخها. في العالم العربي، شهدت معايير جمال المرأة تحولات عميقة متأثرة بالعوامل الدينية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية. من الصحراء القاسية إلى عواصم العولمة، يتشكل الجمال بين ثنائية التقاليد والحداثة.


---

1. قبل الإسلام: الجمال كرمز للبقاء والفخر القبلي**  

قبل الإسلام، ارتبط جمال المرأة ببيئة الصحراء وقيم القبيلة. الشعراء مثل امرئ القيس وصفوا المرأة بـ:  

- الشعر الأسود الكثيف، رمزًا للقوة.  

- العينين الواسعتين (كالظباء)، دلالة على الرقة.  

- الخصر النحيل مقابل الوركين الممتلئين، إشارة إلى الخصوبة.  

لم تكن المواصفات الجسدية وحدها معيارًا، بل شملت الشجاعة والكرم، كجزء من مكانة المرأة في القبيلة. البيئة القاسية جعلت القوة البدنية سمة مرغوبة، بينما ارتبطت البشرة الفاتحة بنقاء النسب لدى بعض القبائل.


---

2. العصر الإسلامي: الجمال الداخلي والأخلاق 

مع ظهور الإسلام، تحول التركيز نحو الأخلاق والحياء. أكد القرآن على جمال الروح، كما في الآية: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ (النور: 31). رغم ذلك، استمر الشعراء مثل عمر بن أبي ربيعة في مدح الجمال الجسدي، لكن ضمن حدود الأدب الإسلامي. أصبح الحجاب رمزًا للعفة، بينما ظهرت مفاهيم جديدة مثل البياض كعلامة على النقاء، متأثرة بالحضارات المجاورة.


---

3. العصر العباسي: التمازج الثقافي في العباسيين والأندلس

خلال العصر العباسي، اختلطت الثقافة العربية بالفارسية والبيزنطية. برزت مواصفات مثل:  

- الوجه المستدير والجسد الممتلئ، تأثرًا بالتراث الفارسي.  

- استخدام الكحل والعطور كجزء من الطقوس اليومية.  

في الأندلس، أدخلت تقنيات التجميل مثل الصبغات النباتية، بينما جمعت القصص بين جمال المرأة والفصاحة، كما في "ألف ليلة وليلة".


---

4. العصور الوسطى والعثمانية: ترف البلاط والحمّامات

أدخل العثمانيون مفاهيم جديدة مثل:  

- البشرة الشاحبة دلالة على النبل (لعدم العمل تحت الشمس).  

- الوشاح المطرز والحلي الذهبية كرمز للثراء.  

أصبح الحمّام العام مركزًا للعناية بالجسد، مع استخدام الحناء والزيوت العطرية. في المغرب العربي، تميزت المرأة بـالوشم التقليدي كجزء من الهوية الأمازيغية.


---

5. القرن العشرين: الاستعمار والهوية المزدوجة

مع الاستعمار الأوروبي، تسربت معايير غربية مثل:  

- الجسد النحيل بدل الممتلئ.  

- البشرة الفاتحة كمعيار للجمال، مدعومة بإعلانات مستحضرات التجميل.  


---

6. العصر الرقمي: بين التقاليد والحداثة 

اليوم، تتعارض التيارات:  

- الموضة العالمية: تأثير المشاهير مثل نسرين طافش، مع انتشار جراحات التجميل.  

- الحركات الطبيعية: حملات مثل #NoToWhiteBeauty في مصر تدعو لتقبّل البشرة الداكنة.  

- الازدهار الخليجي: تفضيل الملابس الفاخرة والماركات العالمية، مع الحفاظ على الحجاب.  

في المقابل، تبرز المؤثرات المحجبات مثل دينا توكيو، اللواتي يدمجن الحياء بالموضة العصرية.


---

الخاتمة: الجمال كسردية متجددة

تظهر تحولات جمال المرأة العربية تفاعلًا بين الذات والآخر. من شعر ما قبل الإسلام إلى إنستغرام، يبقى الجمال ساحة للصراع والتأويل، يعكس أحلام النساء وقدرتهن على تشكيل هويتهن في عالم متغير.


.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق